Notice: file_put_contents(): Write of 13990 bytes failed with errno=28 No space left on device in /var/www/tg-me/post.php on line 50
هواجس غرفة العالم ( ليلى عبدالله ) | Telegram Webview: halami/6334 -
Telegram Group & Telegram Channel
بريطانيا وشرع بنشره كتبه هناك.
ولا تكاد تختلف تفاصيل حياة المفكر اليهودي البولندي " ريجمونت باومان" عن مواطنه بابيه، فباومان وقع ضحية نزعة قومية عنصرية، فهو يهودي بولندي، تشكّل وعيه السياسي والفكري بعد الحرب العالمية الثانية، غير أنه لمواقفه حرم من الجنسية البولندية ومن حقه في التدريس بجامعة وارسو، وانتهى الأمر بطرده من بولندا عام 1968م؛ فاضطر للرحيل إلى إسرائيل، والتدريس في عدد من جامعاتها، لكنه لم يستطع المكوث لأكثر من ثلاثة أعوام؛ لأنه بعد أن كان ضحية دولة قومية عنصرية " بولندا" لم يرد أن يقترف جرم القوميين في دولة قومية عنصرية أخرى" إسرائيل"، فرحل منها ليستقر في بريطانيا 1971م، مُنكبًّا على تأليف كتب متنوعة في السيولة الثقافية والأخلاقية في زمن الحداثة. وكان أكثر مواقفه وضوحًا عندما وقعّ مع جماعة من رفاقه على عريضة للضغط على الوزير البريطاني "ديفيد ميلباند" بعنوان "يهود من أجل العدالة للفلسطينيين" يطالبونه بوقف العقوبات الإسرائيلية على غزة، وتطبيق سياسة العقاب الجماعيّ للفلسطينيين. ولطالما انتقد باومان إسرائيل والمجتمع الدولي بسبب معاناة ملايين اللاجئين الفلسطينيين، كما فضح الساسة الإسرائيليين باستغلال الهولوكوست لتبرير القوة الوحشية لاسيما في كتابيه " الحداثة والهولوكوست" و" الأخلاق في عصر الحداثة السائلة".
ففي كتابه " الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" تحديدًا يقف باومان وقفة أخلاقية تجاه الهولوكوست بطرحه تساؤلاً في غاية الأهمية: أيّ فرصة للأخلاق في عالم استهلاكي معولم؟
هذا السؤال محرض أساسي دفع المفكر إلى استبدال " الحداثة الصلبة" التي دشنها عصر التنوير في القرن الثامن عشر تأسيسا على تحولات وإرهاصات تنامت منذ انتهاء العصور الوسطى و" تصلبت" في عصر العقلانية الذي مضى يتجاذب لمفاهيم كبرى من تبعات الحداثة كالدولة الحديثة والمجتمع والثقافة، لكن هذه المفاهيم جلها تبلورت لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، فصلابة تلك المرحلة السابقة تمخضت عن سيولة في الرؤى والمفاهيم لتداخل الحدود والسمات وذوبانها في التعاطي بين الشعوب الأصلية واللاجئين مما خلف سيولة في هويات الفرد وبدت أبرز مظاهر الخصائص الثقافية في سيولة البشر بتدفقهم من مكان إلى آخر، وسيولة المال بإلغائه للحدود التقليدية التي أقامتها الحداثة الصلبة، وسيولة الهويات وسيولة القيم الأخلاقية من خلال النزعة الاستهلاكية.
يرى باومان أن ما قبل عهد الحداثة السائلة كان أكبر تهديد جابه البشرية قديمًا هي الطبيعة التي تعاظمت مخاطرها على الجنس البشري بهيئة فيضانات وموجات جفاف ومجاعات وأمراض معدية وغيرها، ولدت عن كوارث خلفت الكثير من المخاطر التي راح ضحيتها الإنسان الذي ظلت أوضاعه متقلّبة بفعل هذا النذير، لم يكن يبددها مؤقتا سوى الآثار السلبية بتأثير بعض الأحقاد والنوايا السيئة والسلوكيات العدائية بينهم كبشر كالجيران أو جماعة ما في الشارع المجاور وما وراء النهر، غير أن عداوتها لم تكن بتأثير الكوارث الطبيعية، لكونها أبعد ما تكون عن صناعة بشرية.
لكن البشرية لم تكن تعي تمام الوعي وهي تشق طريقها بتحفّز نحو الحداثة الغربية التي همّشت دور الطبيعة وتبعاتها أن بالحداثة نفسها يمكن أن تصنع دمارًا بشريًّا نوعيًّا وأن تبيد أعدادًا مهولة من البشر دون أي نوازع أخلاقية تحت ما يسمى بالإبادات الجماعية " وهي شكل من أشكال القتل الجماعي من جانب واحد تنوي فيه دولة أو سلطة أخرى أن تدمر جماعة، حسب تعريف مرتكبي القتل لتلك الجماعة والعضوية فيها" ولعل من أبرز الإبادات وأشهرها على مدى التاريخ الحديث حيث ساهمت الحركة الصهيونية لتبقى كذلك، والتي ورطّت الشرق الأوسط لاسيما فلسطين رغم براءة ذمتها ودمها هي "الهولوكوست" فهي وليدة حضارة غربية حدثت في أربعينيات القرن العشرين واستهدفت اليهود في الأراضي الأوروبية التي يحتلها النازيون وذلك من خلال حرقهم في أفران الغاز ورميهم بالرصاص. هذا الحدث لم يكن له سابقة في ذلك الوقت لدرجة كما يقول باومان عجزت المعاجم العبرية عن إيجاد لفظة تصف " القتل الباتر" الذي مورس ضد فئة من البشر بحلول خمسينات القرن الماضي وبعد ورود كلمات شبيهة معبرة كالدمار أو فناء حتى اهتدوا للفظة " هولوكوست" التي وجدت قبولاً واسعا، لكن مع مرور الزمن حملت اللفظة نفسها دلالات أشمل تعبر عن أنواع عديدة من القتل الجماعي الموجه ضد جماعات إثنية وعرقية ودينية وتعذيب وطرد وغيرها من الانتهاكات ضد البشرية لتكون حالة أخرى من حالات " الهولوكوست" .
فلفظة " الهولوكوست" يمكن استبدالها بسهولة في عصرنا الحالي بمفردة " جينو سايد" أي الإبادة الجماعية، هذا المصطلح الذي جاء معبرًا تماما عن المذابح الجماعية التي تعرض لها أفراد وشعوب ما بين عامي 1960م و1979م . شملت الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان والتوستي في رواندا والهوتو في بوروندي، الصينيين وغيرهم.



tg-me.com/halami/6334
Create:
Last Update:

بريطانيا وشرع بنشره كتبه هناك.
ولا تكاد تختلف تفاصيل حياة المفكر اليهودي البولندي " ريجمونت باومان" عن مواطنه بابيه، فباومان وقع ضحية نزعة قومية عنصرية، فهو يهودي بولندي، تشكّل وعيه السياسي والفكري بعد الحرب العالمية الثانية، غير أنه لمواقفه حرم من الجنسية البولندية ومن حقه في التدريس بجامعة وارسو، وانتهى الأمر بطرده من بولندا عام 1968م؛ فاضطر للرحيل إلى إسرائيل، والتدريس في عدد من جامعاتها، لكنه لم يستطع المكوث لأكثر من ثلاثة أعوام؛ لأنه بعد أن كان ضحية دولة قومية عنصرية " بولندا" لم يرد أن يقترف جرم القوميين في دولة قومية عنصرية أخرى" إسرائيل"، فرحل منها ليستقر في بريطانيا 1971م، مُنكبًّا على تأليف كتب متنوعة في السيولة الثقافية والأخلاقية في زمن الحداثة. وكان أكثر مواقفه وضوحًا عندما وقعّ مع جماعة من رفاقه على عريضة للضغط على الوزير البريطاني "ديفيد ميلباند" بعنوان "يهود من أجل العدالة للفلسطينيين" يطالبونه بوقف العقوبات الإسرائيلية على غزة، وتطبيق سياسة العقاب الجماعيّ للفلسطينيين. ولطالما انتقد باومان إسرائيل والمجتمع الدولي بسبب معاناة ملايين اللاجئين الفلسطينيين، كما فضح الساسة الإسرائيليين باستغلال الهولوكوست لتبرير القوة الوحشية لاسيما في كتابيه " الحداثة والهولوكوست" و" الأخلاق في عصر الحداثة السائلة".
ففي كتابه " الأخلاق في عصر الحداثة السائلة" تحديدًا يقف باومان وقفة أخلاقية تجاه الهولوكوست بطرحه تساؤلاً في غاية الأهمية: أيّ فرصة للأخلاق في عالم استهلاكي معولم؟
هذا السؤال محرض أساسي دفع المفكر إلى استبدال " الحداثة الصلبة" التي دشنها عصر التنوير في القرن الثامن عشر تأسيسا على تحولات وإرهاصات تنامت منذ انتهاء العصور الوسطى و" تصلبت" في عصر العقلانية الذي مضى يتجاذب لمفاهيم كبرى من تبعات الحداثة كالدولة الحديثة والمجتمع والثقافة، لكن هذه المفاهيم جلها تبلورت لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، فصلابة تلك المرحلة السابقة تمخضت عن سيولة في الرؤى والمفاهيم لتداخل الحدود والسمات وذوبانها في التعاطي بين الشعوب الأصلية واللاجئين مما خلف سيولة في هويات الفرد وبدت أبرز مظاهر الخصائص الثقافية في سيولة البشر بتدفقهم من مكان إلى آخر، وسيولة المال بإلغائه للحدود التقليدية التي أقامتها الحداثة الصلبة، وسيولة الهويات وسيولة القيم الأخلاقية من خلال النزعة الاستهلاكية.
يرى باومان أن ما قبل عهد الحداثة السائلة كان أكبر تهديد جابه البشرية قديمًا هي الطبيعة التي تعاظمت مخاطرها على الجنس البشري بهيئة فيضانات وموجات جفاف ومجاعات وأمراض معدية وغيرها، ولدت عن كوارث خلفت الكثير من المخاطر التي راح ضحيتها الإنسان الذي ظلت أوضاعه متقلّبة بفعل هذا النذير، لم يكن يبددها مؤقتا سوى الآثار السلبية بتأثير بعض الأحقاد والنوايا السيئة والسلوكيات العدائية بينهم كبشر كالجيران أو جماعة ما في الشارع المجاور وما وراء النهر، غير أن عداوتها لم تكن بتأثير الكوارث الطبيعية، لكونها أبعد ما تكون عن صناعة بشرية.
لكن البشرية لم تكن تعي تمام الوعي وهي تشق طريقها بتحفّز نحو الحداثة الغربية التي همّشت دور الطبيعة وتبعاتها أن بالحداثة نفسها يمكن أن تصنع دمارًا بشريًّا نوعيًّا وأن تبيد أعدادًا مهولة من البشر دون أي نوازع أخلاقية تحت ما يسمى بالإبادات الجماعية " وهي شكل من أشكال القتل الجماعي من جانب واحد تنوي فيه دولة أو سلطة أخرى أن تدمر جماعة، حسب تعريف مرتكبي القتل لتلك الجماعة والعضوية فيها" ولعل من أبرز الإبادات وأشهرها على مدى التاريخ الحديث حيث ساهمت الحركة الصهيونية لتبقى كذلك، والتي ورطّت الشرق الأوسط لاسيما فلسطين رغم براءة ذمتها ودمها هي "الهولوكوست" فهي وليدة حضارة غربية حدثت في أربعينيات القرن العشرين واستهدفت اليهود في الأراضي الأوروبية التي يحتلها النازيون وذلك من خلال حرقهم في أفران الغاز ورميهم بالرصاص. هذا الحدث لم يكن له سابقة في ذلك الوقت لدرجة كما يقول باومان عجزت المعاجم العبرية عن إيجاد لفظة تصف " القتل الباتر" الذي مورس ضد فئة من البشر بحلول خمسينات القرن الماضي وبعد ورود كلمات شبيهة معبرة كالدمار أو فناء حتى اهتدوا للفظة " هولوكوست" التي وجدت قبولاً واسعا، لكن مع مرور الزمن حملت اللفظة نفسها دلالات أشمل تعبر عن أنواع عديدة من القتل الجماعي الموجه ضد جماعات إثنية وعرقية ودينية وتعذيب وطرد وغيرها من الانتهاكات ضد البشرية لتكون حالة أخرى من حالات " الهولوكوست" .
فلفظة " الهولوكوست" يمكن استبدالها بسهولة في عصرنا الحالي بمفردة " جينو سايد" أي الإبادة الجماعية، هذا المصطلح الذي جاء معبرًا تماما عن المذابح الجماعية التي تعرض لها أفراد وشعوب ما بين عامي 1960م و1979م . شملت الأكراد في العراق والجنوبيين في السودان والتوستي في رواندا والهوتو في بوروندي، الصينيين وغيرهم.

BY هواجس غرفة العالم ( ليلى عبدالله )


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283

Share with your friend now:
tg-me.com/halami/6334

View MORE
Open in Telegram


هواجس غرفة العالم ليلى عبدالله Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

At a time when the Indian stock market is peaking and has rallied immensely compared to global markets, there are companies that have not performed in the last 10 years. These are definitely a minor portion of the market considering there are hundreds of stocks that have turned multibagger since 2020. What went wrong with these stocks? Reasons vary from corporate governance, sectoral weakness, company specific and so on. But the more important question is, are these stocks worth buying?

What is Telegram?

Telegram is a cloud-based instant messaging service that has been making rounds as a popular option for those who wish to keep their messages secure. Telegram boasts a collection of different features, but it’s best known for its ability to secure messages and media by encrypting them during transit; this prevents third-parties from snooping on messages easily. Let’s take a look at what Telegram can do and why you might want to use it.

هواجس غرفة العالم ليلى عبدالله from ar


Telegram هواجس غرفة العالم ( ليلى عبدالله )
FROM USA